سوريا الجديدة: التاريخ والدور والقدر
شبكة راية الإعلامية -

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض

شخصية جوهر في مسلسل الخربة عكست بكثير من الدقة والاحتراف، أزمة النظام والحزب الحاكم السابق في سوريا، الشخصية التي أداها محمد خير الجراح بطريقة بارعة ورائعة كانت تتميز بكثير من السطحية والفهلوية والرغبة في الظهور والشعور بالأهمية الفارغة، كانت الشخصية تعتقد ان مجرد مشاركتها الهامشية في حفلات التدشين تضمن له مكانة او أهمية في القرية وفي الحزب أيضاً ، لكنه اكتشف متأخراً جداً ان الاحدث تتجاوزه ولا تلتفت إليه وان احداً لا تعنيه حفلات التدشين على الاطلاق، ولهذا كانت زوجة جوهر اكثر عملية من زوجها وأكثر عقلانية منه عندما كانت ترجوه ان يذهب إلى حقل للعمل فيه.

كاتب العمل الدكتور حمادة ممدوح كان مبدعا في نحت شخصية جوهر لتعبر عن أزمة النظام والحزب في سوريا، أقصد ازمة الانفصال عن الواقع، تغيير الأولويات ، إهدار الوقت والجهد، اهمال واغفال التحديات اليومية والحياتية، عبادة الشعار على حساب المضمون ، والتعايش مع كل المناقضات، وامكانية القفز على الحبال، والاحساس بالأهمية والمكانة الزائفة، وليس من قبيل الصدفة ان يكون جوهر يلبس السروال السوري التراثي ويلبس في ذات الوقت ربطة العنق الأجنبية في تآلف غريب متناسق ومتناقض، ولكن النصائح التي كانت تباع بجمل فيما سبق، تباع الان ببيضة لعدم الحاجة إليها،.

سقوط نظام الاسد في سوریا یعني ضمن امور اخرى سقوط فكرة البعث بطبيعتها العراقية والسورية، ولا يعني ذلك سقوط فكرة العروبة وضرورتها واهميتها، ولكن ذلك یعني سقوط الترجمة السياسية والتطبيق العملي للفكر القومي العربي لأسباب عديدة منها طبيعة العلاقة المتردية بين النخب العسكرية الحاكمة وقوى الشعب ومنها العلاقات البينية السيئة وعدم تحقيق الوحدة ومنها قوة العدو الإمبريالي ومؤامراته المتعددة، سقوط نظام الأسد يشكل نهاية حقيقة للفكر الذي ساد منذ الخمسينات في العالم العربي.

ومنذ سنة ٢٠١٠ وحتى اللحظة فإن العالم العربي لم يستقر بعد على شكل نهائي للعلاقة الناظمة والمستقرة بين اركانه ومكوناته السياسية والاجتماعية والعرقية، هناك بحث مستمر عن علاقة دستورية بين الانظمة وشعوبها مقبولة وتحفظ للأطراف جميعا حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية، سقوط نظام الاسد سيزيد من قوه طرح هذه الاسئلة وستزيد من حمأة البحث عن تلك العلاقة الناظمة والمقبولة لتأسيس نظام حكم مدني قوي، وليس من الضرورة ان تحكم العسكرتاريا او الطغم المسيطرة او الحزب الواحد، وليس من الضرورة ان يتم اختيار التقسيم او البلقنة كحلول نهائية لشعوب الأمة العربية – على غموض المصطلح الان - بالنسبة لنا نحن الشعب الفلسطيني الذي نواجه القتل والتصعيد والتقسيم والضم وشطب فكرة الدولة الدولة المستقلة، فإننا نقف إلى جانب الشعب السوري بكل أطيافه وطوائفه، ونحن مع وحدة التراب السوري ومع خيار الشعب السوري السياسي، نحن بخير ما دامت سوريا بخير، ونحن مع سوريا حرة وديموقراطية قوية وقادرة على أن تمنحنا نموذجاً جديدا للحكم والادارة والعقد الاجتماعي والحضاري، وسينكسر ظهرنا اذا قسمت سوريا او تفككت، وسيتراجع الاهتمام بقضيتنا اذا دخلت سوريا مرحلة اخرى من الاقتتال لا سمح الله، ما نأمله هو ان تتم معاملة شعبنا في سوريا بما نعهده من الشعب السوري الاصيل والكريم من الشهامة والنخوة واكرام الضيف. ولا يمكن لسوريا او شعبها ان يتنكر لدوره وقدره في مساعدة الشعب الفلسطيني، ليس بسبب الجغرافيا، وليس بسبب المصالح الاستراتيجية وليس بسبب الامن القومي ، ولكن بسبب تلك الاواصر العميقة من الاخوة والدين والانسانية، هناك دول وهناك شعوب لا تحركها المصالح فقط وإنما الاخلاق والمبادئ أيضاً، وقد لعبت سوريا هذا الدور دائما وابداً ، وعندما نقرأ ما كتبه مؤرخو القرون الوسطى سنتفاجأ ان دمشق كانت المصد والسند والنصير للعروبة والاسلام، كان الله ينصرها في نهاية الأمر، سقوط النظام السوري لا يعني على الاطلاق ان تتنكر سوريا لتاريخها ودورها وقدرها، بل هي تستعيده الان .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.



إقرأ المزيد