شبكة راية الإعلامية - 12/9/2024 11:04:22 AM - GMT (+2 )
الكاتب: د. دلال صائب عريقات
شهدت الساحة الفلسطينية في الأيام الأخيرة نقاشًا واسعًا حول مقترح تشكيل "لجنة الإسناد المجتمعي" في قطاع غزة. يُزعم أن الهدف من هذه اللجنة هو إدارة شؤون القطاع في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم والإغاثة وإعادة الإعمار، وذلك في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي يعيشها القطاع. ورغم أن المقترح قد يبدو على السطح محاولة لتخفيف المعاناة الإنسانية وتحسين ظروف المعيشة، إلا أن تداعياته السياسية والرمزية تثير جدلًا واسعًا، حيث من الطبيعي أن يواجه رفضًا قاطعًا من قبل أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبره تهديدًا مباشرًا لوحدة الشعب الفلسطيني وأرضه.
تأتي أهمية هذا النقاش في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية على المستوى الداخلي والخارجي. فمع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في فرض سياسات التوسع الاستيطاني والإبادة والحصار على غزة، تصبح الوحدة الوطنية أولوية قصوى لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها. من هذا المنطلق، إن أي خطوة قد تعمل على تكريس الانقسام الفلسطيني تُعد أمرًا مرفوضًا تمامًا: تشكيل لجنة مستقلة بهذا الحجم والصلاحيات لإدارة غزة، بمعزل عن الضفة الغربية والقدس، يُعتبر خطوة تعزز حالة الانفصال الجغرافي والسياسي، وهو ما يخدم مخططات الاحتلال الإسرائيلي في القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية الموحدة وحق الشعب في تقرير مصيره.
وعلى الرغم من وضوح موقف منظمة التحرير، فقد أبدت بعض الشخصيات قبولًا مبدئيًا لهذا الطرح. يعتبر هؤلاء أن تشكيل لجنة إسناد مجتمعي قد يكون حلاً مؤقتًا وضروريًا لتحسين الأوضاع الإنسانية المتدهورة في القطاع. فمع تفاقم الأزمات الإنسانية والمعيشية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، يرى البعض أن هذه اللجنة يمكن أن توفر إطارًا إداريًا يُسهم في تنسيق الجهود الإغاثية والتنموية. لكن هذا القبول، الذي يظل محصورًا في نطاق ضيق، لا يمكن أن يحظَى بإجماع داخل الحركة ولا المنظمة.
إن أية حلول جزئية او اننقالية، حتى لو كانت بدوافع إنسانية، لا يمكن أن تكون بديلاً عن الحلول الشاملة التي تتعامل مع جذور المشكلة. فمنظور المنظمة لا يقتصر على تحسين الظروف الإنسانية فقط، بل يشمل أيضًاً الحفاظ على وحدة الأرض والشعب كجزء لا يتجزأ من المشروع الوطني الفلسطيني. وبالتالي، فإن التركيز على أية مقترحات قد تُفهم كخطوات لتعزيز الانقسام يُعد خطرًا يهدد المشروع الفلسطيني برمته.
إضافة إلى ذلك، إن تشكيل هذه اللجنة قد يفتح المجال أمام الاحتلال الإسرائيلي لاستغلال الوضع لصالحه. فمن خلال عزل غزة إداريًا وسياسيًا، يمكن للاحتلال أن يعزز أطروحته بأن القطاع كيان منفصل عن بقية الأراضي الفلسطينية. هذه الرؤية تُعد جزءًا من مخططات الاحتلال التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل تدريجي عبر فرض أمر واقع جديد يقضي على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة وموحدة.
في هذا السياق، الأولوية القصوى في المرحلة الحالية يجب أن تكون العمل على الحوار الوطني لمعالجة جذور الانقسام الفلسطيني. هذا الانقسام، الذي أضعف الموقف الفلسطيني على المستويين الإقليمي والدولي، يُعد من أكبر التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني اليوم. وبناءً على ذلك، الحل يكمن في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية تضمن الشراكة الوطنية وتوحيد المؤسسات السياسية والإدارية في الضفة وغزة والقدس. ومن جهة أخرى، أمامنا ضرورة لتعزيز الحوار الوطني الشامل، فأية مبادرة، مهما كانت أهدافها الإنسانية أو التنموية، يجب أن تحظى بتوافق وطني كامل، يضمن الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني واستمرار النضال المشترك ضد الاحتلال. إن تجاوز هذا التوافق أو التعامل مع القضايا الفلسطينية بشكل مجزأ قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة تُضعف الموقف الفلسطيني على كافة الأصعدة.
إن النقاش الإعلامي المحيط بمقترح لجنة الإسناد المجتمعي، رغم أهميته في تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية في القطاع، يُبرز الحاجة الماسة إلى حلول شاملة ومستدامة بدلًا من المقترحات الجزئية أو الانتقالية التي قد تساهم في تعميق الأزمات. المرحلة الراهنة تتطلب من الجميع تركيز الجهود على تحقيق الوحدة الوطنية كشرط أساسي لتصليب الموقف الفلسطيني في مواجهة التحديات الراهنة. إن وحدة الأرض والشعب الفلسطيني ليست مجرد هدف سياسي، بل هي شرط وجودي لمشروع التحرر الوطني. وبالتالي، فإن رفض منظمة التحرير لفكرة لجنة الإسناد المجتمعي يعكس التزامها بالمشروع الوطني الفلسطيني وبحق الشعب في تقرير مصيره ضمن إطار دولة مستقلة وموحدة. وفي ظل هذه التحديات، تبقى الدعوة موجهة لكل القوى والفصائل الفلسطينية للعمل المشترك على تعزيز الوحدة، بدلًا من الدخول في مشاريع قد تُضعف الطموح الفلسطيني لدولة ذات سيادة.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
إقرأ المزيد