مجلس وفاة أم البنين كامل مكتوب
وكالة سوا الاخبارية -

مجلس وفاة أم البنين كامل مكتوب ، حيث أنه في ذكرى رحيل السيدة أمّ البنين عليها السلام، تتجدد سيرة امرأةٍ شكّلت علامة فارقة في الذاكرة الدينية والإنسانية معًا. لم تكن مجرّد اسمٍ في التاريخ، بل صوتًا للأمومة الصابرة ووجهًا للوفاء الذي لا يبهت مع الزمن. وبين صفحات سيرتها، تتقاطع قيم الإيثار والشجاعة، لتبقى قصتها شاهدة على دور المرأة في صناعة المواقف الكبرى وترسيخ معاني التضحية في وجدان الأجيال.


مجلس وفاة أم البنين كامل مكتوب

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الشهداء محمد وآله الأطهار، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

أيّها المؤمنون… نقف الليلة عند سيرة امرأةٍ من نور، رحلت وجبينها مطرز بصبر الأنبياء.
امرأة لا تُذْكَر في التاريخ إلا وتأتي معها ظلال البطولة والوفاء… إنها السيدة أمّ البنين فاطمة بنت حزام الكُلبية عليها السلام.
البداية الطاهرة

وُلدت السيدة أمّ البنين في بيتٍ عُرف بالشجاعة، ونشأت في مضارب بني كلاب، قومٍ كانوا يُضرب بشجاعتهم المثل.
لكنّ ما ميّزها لم يكن النسب وحده، بل طُهر القلب وسكينة الروح؛ حتى قال عنها الإمام علي عليه السلام بعد أن خطبها:
رأيتُها امرأةً ذات حسبٍ ودين، تصلح لبيت النبوّة.

دخلت بيت الإمام لا زوجةً فحسب، بل خادمة لأبناء الزهراء وكانت تقول منذ اليوم الأول:
"لا تدعوني فاطمة… أخاف أن تنكسر قلوب سادة هذا البيت بذكر اسم أمهم."
يا لله… أي قلبٍ هذا الذي يبدأ حياته بتواضعٍ كهذا!
في كنف عليّ عليه السلام

عاشت أمّ البنين مع أمير المؤمنين سنوات، شهدت فيها حكمة علي، وسمعت آيات الحق من فمه.
وكانت ترى الحسن والحسين وزينب والسيّدة أمّ كلثوم وكأنهم أنوارٌ أربعة تُضيء خمس أركان قلبها.
ولم تكن تعامل أبناءها كأبناء علي فقط، بل كانت تربيهم على أمرٍ واحد:
"كونوا سيوفًا في يد الحسين، واحفظوا وصية أبيكم بحقّه."


ولادة الأبطال الأربعة

رزقها الله أربعةً من البنين:
العباس قمر بني هاشم، صاحب الراية.
عبد الله الشهيد الغيور.
جعفر الفارس النبيل.
عثمان الطاهر الصغير.
وكلّما كبر واحد منهم، كبُر قلب أمّ البنين قلقًا على الحسين… وكانت تردد بدموع خفية:
اللهم لا تحرمني خدمة ابن الزهراء."


 


يوم الرحيل إلى كربلاء


عندما عزم الحسين على الخروج، ودّعته أمّ البنين بدمعةٍ لم تُرِد أن تسقط أمامه.
جمعت أبناءها الأربعة وقالت لهم كلماتٍ خالدة:

"إياكم أن تتقدّموا على الحسين… هو إمامكم، وإن حدث له شيء فلا ترجعوا إليّ."
أي قلبٍ يستطيع أن يقول هذا؟
أي أمّ تقف هكذا بين الصبر والنار؟

مصيبة كربلاء على قلب أمّ البنين


وحين وقعت الفاجعة، لم تسأل أمّ البنين عن العباس أولًا.
لم تسأل عن عبد الله ولا جعفر ولا عثمان.
بل خرجت تستقبل الناعي وهي تقول:
أخبرني عن الحسين… فكلّهم فداء له."
فقال لها الناعي:
عظّم الله لك الأجر بأبي عبد الله."
فسقطت على الأرض وهي تردد:
وا حسيناه… ليتني كنتُ قبل هذا اليوم!"
ثم قالت بوجدانٍ مكسور:"لقد قطعتَ نياط قلبي… فقدتُ الحسين."
حزنُها الذي أثقل المدينة
تحوّل بيت أمّ البنين إلى بيت عزاءٍ دائم.
كانت تخرج إلى بقيع الغرقد كل صباح، تحمل التراب بيدها، وتبكي على العباس والحسين بكاءً يجرح صمت المدينة.
وكان الناس يبكون لبكائها قبل أن يعرفوا ما تقول.
وكانت ترثي أبناءها الأربعة ببياتٍ تهزّ القلوب:
 لا تَدْعُـونِي وَيْكَ أُمَّ الْبَنِـين
 تُذَكِّرِينِي بِنُيَـانِ الأَرْبَعِـين
 قَدْ كَانَتِ الأَرْبَعَةُ مِثْلَ نُسُـورٍ
 يَحْمُونَ حَامِي حَوْزَةِ الدِّين
وكان زين العابدين عليه السلام يزورُها ويعزيها، ويقول لها:"يا أمّ البنين… لقد أنار الله قلبك بحبّنا كما أنار قلوب المؤمنين."

سنواتها الأخيرة


عاشت بعد كربلاء تسع سنوات أو أقل… لكن كل يوم كان ثقيلًا بقدر سنة.
كلما مرّت على مكانٍ فيه صوتُ أطفالٍ أو وقعُ أقدامٍ، كانت تتذكر عطش الحسين وصراخ الرضيع.

وكانت تقول:ليتَ المدينةَ لم تعرفني بعد الحسين… فقدتُ روحي في كربلاء

حتى ضعفت، وانهار جسدها تحت ثقل الحزن، ففاضت روحها في الثالث عشر من جمادى الآخرة، ورحل معها ما تبقى من نور المدينة بعد آل محمد.
وشيّعها أهل المدينة تشييعًا مهيبًا، وبُني قبرها في البقيع، حيث تنتظر قيام القائم لتعود القباب إلى أماكنها.


رثاء ختامي مؤثر


السلام على امرأةٍ حملت لواء الولاء دون أن ترفّ لها عين.
السلام على أمّ البنين…
على قلبها الذي تشقّق من فراق الحسين،
على دمعتها التي لم تجفّ تسع سنين،
على لوعتها التي صارت درسًا لكل أمٍ فقدت عزيزًا.
اللهم بحقّ أمّ البنين…
اجعل لنا من دعائها نصيبًا، ومن وفائها قبسًا، ومن صبرها مددًا.
وأختم مجلس وفاة أم البنين كامل مكتوب بـ الفاتحة على روحها الطاهرة وروح الحسين وأصحابه، مع الصلاة على محمد وآل محمد.

المصدر : وكالة سوا

إقرأ المزيد