شبكة راية الإعلامية - 12/9/2025 7:16:20 PM - GMT (+2 )
عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش لعرض مسودة تقريره الجديد حول الشفافية في إدارة استثمارات أموال هيئة التقاعد الفلسطينية، بمشاركة ممثلين عن مجلس الوزراء، ومختلف الوزارات، والمؤسسات الرسمية، وسلطة النقد، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام وهيئة المتقاعدين، بينما غابت هيئة التقاعد الفلسطينية ومجلس إدارتها عن الجلسة رغم دعوة الائتلاف لها.
وقد أكد المدير التنفيذي لائتلاف أمان، عصام حج حسين، في كلمته الافتتاحية، أن التقرير جاء لبحث مدى الالتزام بمعايير الشفافية في إدارة أموال التقاعد، وصولاً إلى توصيات من شأنها تعزيز وضوح المعلومات وحماية المال العام، منوها أن أمان اضطرت لجمع المعلومات المتعلقة بالتقرير من خلال مصادر دولية ومحلية لشحّ التقارير المنشورة والمرتبطة باستثمارات الهيئة.
تراجع حاد في الإفصاح والنشر
قدّم الباحث إبراهيم ربايعة عرضاً شاملاً لمسودة التقرير، موضحاً أن المنظومة القانونية تحدد تعريف الاستثمار وآليات إدارته، وتشير بوضوح إلى أن الاستثمارات هي المبالغ التي تطلب الهيئة من الخبراء الاستثماريين – أو من مدير الاستثمارات في الحالة الحالية – استثمارها لصالح الموظفين وفق الأحكام واللوائح المعمول بها. وبيّن ربايعة أن الهيكل المرتبط بالاستثمار يتكون من خمسة أجسام: ثلاثة داخلية، تشمل مجلس الإدارة، ولجنة الرقابة، ولجنة الاستثمارات، واثنان خارجيان هما: الحافظ، ومدير الاستثمارات الخارجية. وأكد أن الثقل الرئيسي في عملية الاستثمار يقع على مجلس الإدارة من حيث التخطيط وصنع القرار والإدارة والمساءلة، بينما تظل أدوار لجنتي الاستثمارات والرقابة محورية، ولكن فاعليتها تحتاج إلى تقييم دقيق خلال عمل التقرير.
ونوه ربايعة إلى أن إطار التقرير اعتمد على تحليل قانون التقاعد العام رقم 7 لعام 2005، الذي أنشأ هيئة التقاعد ومنحها الاستقلال المالي والإداري وحدد أسس إدارتها واستثماراتها. وأوضح ربايعة أن هذا التقرير يأتي امتداداً لدراسة كان الائتلاف قد أصدرها عام 2017 حول بيئة النزاهة والشفافية في الهيئة، وهو تقرير خلص في حينه إلى وجود تحديات جوهرية في بنية الحوكمة، وضعف في سياسات الإفصاح والنشر، وهي ملاحظات ما يزال كثير منها حاضراً في التقرير الحالي.
وبيّن ربايعة أن الهيئة تشهد تراجعاً مقلقاً على مستوى الإفصاح، إذ توقفت منذ سنوات عن نشر تقاريرها السنوية والربع سنوية رغم إلزام القانون بذلك. كما لا يتم الإعلان عن مديري الاستثمارات أو آليات اختيارهم أو أسس المكافآت والعمولات، إضافة إلى غياب تفاصيل استراتيجيات إدارة المخاطر. وأكد أن الموقع الإلكتروني للهيئة لم يُحدَّث فيما يتعلق بالاستثمار منذ عام 2014، ولا يحتوي على أي بيانات حول الأطراف ذات العلاقة أو القروض والتسهيلات التي تقدمها الهيئة ضمن عملياتها الاستثمارية.
كما لفت ربايعة إلى أن العلاقة بين الهيئة والجمهور شهدت تراجعاً كبيراً خلال السنوات الماضية، إذ غاب حضور الهيئة الإعلامي، ولم تعد تصدر أي بيانات أو تحديثات عن أنشطتها أو نتائج استثماراتها. ورغم أن القانون يكفل للمشتركين الحق في الاطلاع على بيانات حساباتهم، إلا أن الإجراءات البيروقراطية تجعل الوصول إليها صعبًا، كما أن بوابة المشتركين الإلكترونية غير مفعّلة عمليًا. واعتبر ربايعة أن اتساع الفجوة بين الهيئة والجمهور يمسّ الثقة العامة، ويجعل المشتركين غير قادرين على متابعة مصير أموال التقاعد.
ثغرات في الحوكمة وآليات منع تضارب المصالح
أوضح ربايعة أنه نتيجة شح البيانات الرسمية تم اعتماد منهجية تجمع بين مراجعة القوانين والأنظمة، وتحليل ما توافر من مصادر مفتوحة، إضافة إلى استخدام تقارير إعلامية وتصريحات رسمية وتقرير البنك الدولي لعام 2023. وأشار إلى أن هذا النقص في المعلومات دفع إلى بناء "مصفوفة تحقق" تختبر مؤشرات الشفافية والحوكمة والإفصاح في كل ما يتعلق باستثمارات الهيئة، بدءاً من الهياكل التنظيمية وصولاً إلى الرقابة الخارجية. وخلال عرضه للمصفوفة، قال ربايعة إن النتيجة الأبرز التي ظهرت بوضوح هي سيطرة اللون الأحمر (أي ضعف شديد) على معظم عناصر التقييم، وهو ما يعكس عدم الالتزام أو غياب التطبيق في جوانب أساسية من الحوكمة والإفصاح. وأوضح أنّ مستوى الحوكمة لا يرقى لمتطلبات الشفافية، وأن الهيئة لا تنشر بيانات تتعلق بقوائم الاستثمارات أو تقييمها أو مخاطرها.
ركّز ربايعة في عرضه على واقع الحوكمة داخل هيئة التقاعد، مبيناً أن غياب سياسة استثمارية معلنة وواضحة يفتح الباب أمام فرص ومخاطر تضارب المصالح، ويحدّ من قدرة لجنة الاستثمارات على أداء مهامها. ورغم وجود خبرات في مجلس الإدارة، إلا أن التقرير لم يجد ما يكفي لضمان حماية الاستثمارات من تأثير علاقات بعض الأعضاء بالشركات المرتبطة بالهيئة. وأشار إلى ضعف تطبيق مدونة السلوك، وعدم توفر نماذج إفصاح معتمدة عن تضارب المصالح على موقع الهيئة، أو ضمن إجراءاتها الداخلية، وهو ما يعدّ أحد أبرز نقاط الضعف التي رصدها التقرير.
دعوة إلى إصلاح جذري يحمي أموال التقاعد
اختتم ربايعة عرضه بالتأكيد على أن معالجة واقع الشفافية في الهيئة تتطلب إصلاحًا جذريًا يبدأ بتعزيز استقلالية أموال الهيئة عن الخزينة في وزارة المالية، وتنظيم العلاقة بين الطرفين بما يمنع تداخل الأدوار ويضمن استقلال القرار الاستثماري. كما دعا إلى اعتماد سياسة نشر واضحة وملزمة تشمل التقارير السنوية وتفاصيل الاستثمار والمخاطر، وتحديث الأنظمة المتعلقة بإدارة الاستثمار وتضارب المصالح، وتفعيل بوابة المشتركين وتمكينهم من الوصول إلى البيانات باعتبارهم المالكين الفعليين لأموال الصندوق.
شراكة مجتمعية لضمان الشفافية واستدامة النظام التقاعدي
ورأى ربايعة أن تعزيز الشفافية في إدارة أموال التقاعد يحتاج إلى شراكة واسعة مع المجتمع، تشمل إتاحة البيانات للباحثين والصحفيين والمشتركين، وتطوير أدوات الرقابة المجتمعية والرسمية. وأكد أن حماية هذه الأموال الحساسة تتطلب منظومة شفافة تعيد الثقة العامة بنظام التقاعد الفلسطيني، وتدعم استدامته وقدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه مئات آلاف الموظفين الحاليين والمتقاعدين المستقبليين.
ضرورة الفصل بين الرقابة والتنفيذ
أكد حسين العابد من هيئة المتقاعدين المدنيين وجود مجموعة من الملاحظات الأساسية التي تستدعي التوقف عندها، موضحًا أن أبرزها يتصل بضرورة الفصل التام بين الدورين الرقابي والتنفيذي داخل هيئة التقاعد. وقال إن مجلس الإدارة يمثل الجهة الرقابية على الإدارة التنفيذية، في حين يعدّ رئيس الهيئة جهة تنفيذية، وهو ما يتوافق مع مبادئ الحوكمة التي تمنع الجهات الرقابية من المشاركة في العمل التنفيذي منعًا لتضارب المصالح، مشددا على أهمية توضيح هذه المسألة وتعزيزها في بنية الهيئة.
ضبابية في مسألة توفر سياسة عامة للاستثمار
وأشار العابد إلى أن التوصيات الواردة في التقرير ركّزت على مسألة توفير البيانات المالية بشكل دوري، لافتًا إلى أن المؤشرات الحالية تؤكد عدم توفر بيانات مالية واضحة للمشاركين والمنتفعين. وأضاف أن هذا النقص يعزز الحاجة الملحّة إلى رفع مستوى الشفافية واعتماد آليات نشر منتظمة تتيح المعلومات للعاملين والمتقاعدين بصورة واضحة ودقيقة.
وفيما يخص إدارة المخاطر، أوضح العابد وجود إشارات واضحة إلى هيمنة القرار الفردي سواء في مجال الاستثمار أو القرارات الإدارية، الأمر الذي يضعف منظومة المساءلة بشكل مباشر. وأشار كذلك إلى غياب لجنة الاستثمارات التي يفترض أن تتولى وضع السياسات العامة والإطار الاستثماري للهيئة، إلى جانب حصر الأنشطة الاستثمارية في مجالات محدودة وضيقة. وأوضح أن الأصل هو أن تكون استثمارات الهيئة أكثر تنوعًا واتساعًا لضمان تحقيق أفضل عوائد ممكنة وتقليل المخاطر على أموال المشتركين.
ديوان الرقابة: تدقيق جديد للاستثمارات بدءًا من 2026
من جانبه، أوضح ثلجي شومان من ديوان الرقابة المالية والإدارية، أن الديوان ماضٍ وفق خطته لمتابعة تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير سابق أعده حول هيئة التقاعد، مشيرًا إلى أنه مع بداية عام 2026 سيتم الشروع في عملية تدقيق تفصيلية للاستثمارات بهدف تقييم مدى الالتزام بأفضل المعايير.
وبيّن شومان أن الديوان أجرى عملية تدقيق شاملة لملف الاستثمارات وأسقط نتائجها على أداء هيئة التقاعد، ما أدى إلى استخراج مجموعة كبيرة من الملاحظات المتعلقة بمجلس الإدارة وآليات الاستثمار ومستويات الرقابة داخل الهيئة. وأضاف أن هذه النتائج تم تضمينها في التقرير السنوي ورفعها للجهات المختصة.
وختم شومان بالتأكيد على أن ديوان الرقابة سيواصل متابعة تنفيذ التوصيات خلال عام 2026، بما يضمن تحسين الحوكمة وتعزيز الشفافية ورفع كفاءة الأداء الرقابي والإداري في إدارة أموال التقاعد.
هيئة التقاعد في موقع إشكالي داخل منظومة الحكم
أكد د. عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان، أن التقرير الأخير حول الشفافية في إدارة أموال هيئة التقاعد لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الإشكالية الجوهرية المتمثلة في موقع الهيئة داخل منظومة الحكم الفلسطينية. وقال إن القانون يعرّفها كهيئة مستقلة، أي كمؤسسة تدير أموال الناس بعيدًا عن هيمنة السلطة التنفيذية، لكن التجربة العملية أثبتت عكس ذلك، وهو ما فاقم فقدان الثقة، تمامًا كما حدث في تجربة مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تعثّرت بسبب غياب الثقة المسبقة بالمؤسسات المالية العامة. وأوضح أنّ من أسباب هذا الفقدان المتراكم للثقة هو تجربة هيئة التقاعد نفسها، إذ يشعر المشتركون بأنّ أموالهم تُستخدم خارج إطار مصالحهم المباشرة، رغم أنّ مساهمة الحكومة في الهيئة لا تمنحها حق التحكم به، لأنّ هذه الأموال، بمجرد انتقالها من وزارة المالية إلى الهيئة، تصبح ملكًا للمشتركين.
4.2 مليار دولار ديون على الحكومة لهيئة التقاعد
وانتقد الشعيبي طريقة تعامل الهيئة مع المعلومات، مستهجناً أسلوب إخفاء البيانات واكتفاء الهيئة بتسليم تقريرها للرئيس دون أن يكون منشورا لاطلاع الجمهور عليه كما ينص القانون، وفعالية منظومة المساءلة المجتمعية أيضاً. كما أشار إلى أن مراكز نفوذ باتت تستخدم أموال المتقاعدين لتحقيق مصالح خاصة. وأضاف أن هناك مشكلة أساسية في العلاقة المالية بين الحكومة والهيئة، التي وصفها بأنها غير شفافة ومليئة بالتناقضات. والجدير ذكره أن توصل ائتلاف أمان عبر استقصائه للديون المتراكمة على الحكومة، بأنها باتت تبلغ 4.2 مليار دولار لصالح الموظفين المشتركين في الصندوق، حسبما جمعه الائتلاف من المصادر المفتوحة.
إقرأ المزيد


