نتنياهو يضع ترامب أمام ثلاثة خيارات
شبكة قدس الإخبارية -

حين يطرح السؤال: أين تتجه غزة، وهل سيتم الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية من اتفاق العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول، وكيف ومتى وبأي شروط؟، يأتيك الجواب: نحن بانتظار قمة ترامب- نتنياهو في التاسع والعشرين من الشهر الجاري.

وحين يطرح السؤال: هل سيشهد لبنان، موجة جديدة من حرب إسرائيلية موسعة عليه، أم أن تل أبيب ستواصل فعل "المزيد من الشيء ذاته"؟، يأتي الجواب: انتظروا نتائج قمة الرجلين قبيل مختتم العام الجاري.

وحين يطرح السؤال عما إذا كانت إسرائيل ستستأنف حرب الأيام الـ 12 التي شنتها على إيران العام الفائت، وبشراكة تامة مع واشنطن، أم أن الحرب ستبقى "كلامية"، وفي إطار التهديد والوعيد المعتاد؟، يأتي الجواب قاطعا: انتظروا لقاء الشريكين الإستراتيجيين.

لكأن ملفات المنطقة، ومصائر أزماتها المفتوحة، باتت معلقة على نتائج مفاوضات إسرائيلية أميركية، بمعزل عن رغبات شعوبها، ومواقف قادتها. ولكأن مصائر إقليمنا برمته، باتت رهنا بحدود التوافق والتفارق، بين واشنطن وتل أبيب. هنا، ومرة أخرى يتولد الإحساس ويتعمق، بأننا ما زلنا في موقع المتلقي لا صانع الفعل.

حالة الترقب والانتظار، السلبية هذه، تخفي في طياتها أمرين اثنين:

الأول؛ ويمكن وصفه بنصف الكأس الفارغ، محبط للغاية، يعكس قدرا كبيرا من السلبية والتسليم لقوى الهيمنة، لتقرر مصائر دولنا ومجتمعاتنا وشعوبنا.

والثاني؛ ويمثل نصف الكأس الملآنة، ويعكس "حجما ما" من التباين بين شريكين إستراتيجيين، سبق أن تماهت مصالحهما وأهدافهما في سنتي الحرب على غزة والإقليم، ودخلا في شراكة معلنة، في حروب التطهير والإبادة والعربدة والاستباحة الممتدة ميادينها وساحاتها من شرق المتوسط إلى قزوين، مرورا بالبحر الأحمر.

حدود الاتفاق والافتراق

في الجدل الدائر حول مساحة الاتفاق وحدود الخلاف بين حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، ثمة من يذهب بعيدا، وفي الاتجاهين: التهوين والتهويل، لا سيما بعد أن كشف النقاب عن "إستراتيجية الأمن القومي" للولايات المتحدة، أو كما يفضل البعض تسميتها: "مبدأ ترامب- Trump Doctrine"، والتي أظهرت "المكانة المتناقصة للشرق الأوسط في الإستراتيجية"، ولحظت أهمية متزايدة له في المقابل، كبؤرة جذب للمال والأعمال والاستثمار، ونزعت عنه صورته النمطية، كبئر كبيرة للنفط والغاز، وحين لحظت ارتفاعا في درجة الاهتمام الأميركي بدول الخليج العربية، من هذه الزاوية، وحين عبرت عن رغبة أميركية في تفادي الانخراط في حروبه المستدامة وأزماته المفتوحة على المدى.

لكن الإستراتيجية ذاتها، وإن كانت أعطت "أميركا أولا" و"نصف الكرة الغربي" مكانة الصدارة في الأولويات الأميركية، من دون أن تزيح أنظارها وتركيزها عن المحيطين: الهادئ والهندي، فهي ما زالت ملتزمة بأمن إسرائيل، الحليف الموثوق، وتفوقها، وما زالت تنظر لإيران بوصفها تهديدا كدولة تخفي طموحات نووية، وتزعزع الاستقرار، وتهدد مصالح واشنطن وحلفائها في الإقليم.

تمنح "الإستراتيجية" لمن ينظر إليها بعين فاحصة، بعيدا عن التفكير الرغائبي، فرصة لرسم الممكن والمستبعد في علاقات البلدين: الولايات المتحدة، وإسرائيل، وتمنع عنه، خطيئة الوقوع في "فخ" التهويل أو التهوين، وهو يقلب في عقله ما يمكن أن يكون خلافات وتباينات بين حليفين إستراتيجيين.

وفي ظني، أن ما جمع، وسيجمع الرجلين أكبر مما سيفرقهما، دون إنكار للخلافات الناشبة بينهما، وهي في الغالب الأعم، ذات طبيعة تكتيكية، وفي ساحات دون أخرى. صحيح أن إسرائيل لم تعد تمتلك "الوكالة الحصرية" لواشنطن في الإقليم، وصحيح أن واشنطن أخذت تقر بأدوار ومصالح متزايدة، لحلفائها من عرب وأتراك، ولكن الصحيح كذلك، أنها ما زالت تحظى بمكانة "الرصيد الإستراتيجي" للولايات المتحدة الأميركية، أقله لسنوات عديدة قادمة، وإلى أن تتحول من ذخر إلى عبء عليها.

في غزة، ربما ينعقد الخلاف الأكبر بين ترامب ونتنياهو. الأول؛ طبع خاتمه واسمه على مبادرة النقاط العشرين ، الخاصة بإنهاء الحرب الإسرائيلية عليها، والتي ستتحول إلى قرار عن مجلس الأمن يحمل الرقم 2803، بعد احتفالية استعراضية في شرم الشيخ، ومن ضمن رؤية لغزة كبوابة لترسيم وترتيب الشرق الأوسط برمته.

تلكم ليست رؤية نتنياهو، الذي ينظر لملفات غزة الشائكة، بعيون سموتريتش وبن غفير، التي لا ترى سوى التقتيل والتدمير والتهجير، مدفوعة برؤى وأحلام وأساطير توراتية.

ترامب يستعجل الحل، ونتنياهو يستمهله، ويماطل بتنفيذ التزاماته واستحقاقاته. هنا، يمكن الرهان على "نفاد صبر" ترامب، الذي بشر بسلام لم يحصل منذ الأزل، وليس له مثيل إلى الأبد. هو ترامب، التواق لإغلاق هذه الصفقة وإتمامها، دون غرق في حسابات الأمتار التي سينسحب منها نتنياهو، أو مصير آخر جثة لآخر أسير إسرائيلي مطمورة تحت جبال من الركام والأنقاض المترتبة على القصف الإسرائيلي "السجادي" للقطاع المنكوب.

هنا، نشأت وستنشأ خلافات حول كيفية التعامل مع سلاح حماس وعناصرها، وشكل "الإدارة الجديدة لغزة، وطبيعة القوة المنوط بها حفظ الاستقرار، وهوية أطرافها المشكلة، هنا يمكن أن ينشأ خلاف حول توقيتات وأولويات إعادة الإعمار والمعابر والمساعدات الإنسانية. هنا يتفارق "الأيديولوجي- نتنياهو" عن "البراغماتي- ترامب"، ويمكن أن تمتد خلافات الرجلين إلى مساحات أخرى.

لكننا في المقابل، نرى ترامب يلوذ بصمت القبور، حين يتصل الأمر بالحرب الإسرائيلية على مشروع الدولة الفلسطينية بأركانها الثلاثة.

الاستيطان يبتلع أرض الدولة أو إقليمها، والجيش وعصابات المستوطنين يتكفلون بشعبها ومجتمعها وسكانها، ترويعا وتهجيرا، وسموتريتش يتولى أمر السلطة الفلسطينية، نواة النظام السياسي الفلسطيني، بإفقارها وإضعاف قدرتها على أداء وظائفها، مستندا لائتلاف لا يؤمن ببقائها، برغم ما قدمته من قبل، وتقدمه اليوم ومن بعد، من تنازلات، باتت تمس أقدس مقدسات الفلسطينيين: الشهداء والأسرى، والذاكرة والسردية.

في لبنان، تبدو الفجوة بين الرجلين أقل تباعدا، فكلاهما يريد مواصلة الحرب على حزب الله، عسكريا وسياسيا وماليا واقتصاديا، وهما متوافقان على فصل مسار الحرب على الحزب عن مسار التفاوض مع الدولة.. هذا مسار وذاك مسار آخر، موازٍ له، وغير مرتبط به.

والحقيقة أن جل ما تحدثنا به واشنطن، وهي تعلق على الضربات اليومية التي تشنها إسرائيل ضد الحزب، في الجنوب والعمق اللبنانيين، هو ضرورة تجنب استهداف مؤسسات الدولة اللبنانية، وتفادي "التخريب" على الترتيبات الداخلية التي أعقبت الحرب، كتشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس، أو المس بالجيش، المرصود من وجهة النظر الأميركية، ليحل محل الحزب، بعد إنجاز مهمة "حصرية السلاح".

أما حول إيران، فإن التقديرات بشأن ما تفعله طهران بعد حرب الأيام الـ12، تبدو متفاوتة من منظور استخباري. واشنطن تعتقد أن إيران ما زالت بعيدة عن استئناف العمل ببرنامجها النووي بعد الضربات الأميركية التي تعرضت لها، ولا تشاطر إسرائيل تقديراتها بأن البرنامج الصاروخي لطهران، يشكل تهديدا جديا، وبصواريخ تتعدى مدياتها عشرة آلاف كيلومتر كما تزعم. بل ولا ترى أن ضرب البرنامج الصاروخي، في صدارة أولويات تعاملها مع "التهديد الإيراني". بخلاف تل أبيب، التي تعطي أهمية فائقة لهذا البرنامج، وترى فيه تهديدا جديا مجربا، وتضع استهدافه في مكانة لا تقل أهمية عن استهداف البرنامج النووي.

أما عن دور إيران "المزعزع" للاستقرار في الإقليم، فإن الولايات المتحدة تفضل التعامل بأدوات أخرى مع "أذرع" إيران، مثلما تفعل في العراق مع الحشد الشعبي، وهي مرتاحة للغاية لخروج طهران من سوريا، وراضية إلى درجة كبيرة عن أداء الإدارة السورية الجديدة، فيما جبهة البحر الأحمر، تشهد هدوءا ظاهرا منذ إبرامها اتفاقا مع أنصار الله، وبعد اتفاق وقف النار في غزة، ومع معاودة المفاوضات في مسقط حول تبادل الأسرى، وبمشاركة سعودية لافتة.

نتنياهو سيضع ترامب أمام واحد من خيارات ثلاثة: ضربة أميركية مشتركة كما حصل في يونيو/حزيران الفائت، ضربة إسرائيلية بمساعدة أميركية، وضربة إسرائيلية منفردة، ولكن بغطاء سياسي أميركي.

والحقيقة أن تل أبيب، ستجد نفسها مرغمة للتريث كثيرا وطويلا، عند التفكير بالخيار الثالث، فهي بالكاد تمكنت من توجيه ضربات موجعة لطهران، من دون الدعم الأميركي، وهي بالكاد نجحت في التصدي لجزء من الصواريخ الإيرانية، فيما الجزء الأكبر منها، سقط أو أسقط في الطريق، بالسلاح الأميركي، ومشاركة الحلفاء في الإقليم.

واشنطن المنشغلة بفنزويلا والكاريبي والقارة اللاتينية، بوصفها ركنا ركينا من "نصف الكرة الغربي"، واشنطن التي لم تنجز بعد، صفقة أوكرانية بين كييف وموسكو وبروكسل، لا تبدو شهيتها مفتوحة للانخراط في حرب جديدة، ولا تلقى تشجيعا من حلفائها العرب، الذين لم تعد علاقاتهم بطهران، كما كانت عليه زمن ولاية ترامب الأولى، ولم تعد لهم شهية للانخراط في "ناتو شرق أوسطي" بزعامة إسرائيل.

واشنطن التي ازداد اهتمامها بحلفائها من عرب وأتراك، لا بد أن لها حسابات أخرى، مفارقة لحسابات نتنياهو، لكن بوجود زعيم مثل دونالد ترامب في البيت الأبيض، يصعب التنبؤ بما سيقدم عليه، وبالحدود التي سيجاري بها، محدثه الإسرائيلي، والأيام القادمة، ستجلي لنا، حدود الاتفاق والافتراق بين الرجلين والبلدين.



إقرأ المزيد