شبكة راية الإعلامية - 12/30/2025 3:06:24 PM - GMT (+2 )
في واحدة من أقسى تجليات الصمود الإنساني تحت النار، يبرز اسم الدكتور الصيدلي خالد عودة، من شمال قطاع غزة، كقصة مهنية وإنسانية استثنائية، حيث حوّل بيته خلال حرب الإبادة إلى معمل أدوية بدائي، في محاولة لسد جزء من الفجوة العلاجية التي خلّفها الحصار الشامل وانقطاع الأدوية.
يقول الدكتور عودة إنه قبل الحرب كان يعمل صيدلانياً ويمتلك صيدلية في شمال القطاع، إضافة إلى معملين للتركيبات الصيدلانية، أحدهما ملحق بالصيدلية، وآخر خاص بشكل أوسع، كما كان مدرباً معتمداً لدى نقابة الصيادلة في مجال التركيبات الدوائية.
ويوضح د. عودة في حديث خاص لشبكة رايـــة الإعلامية، أن هذا المجال كان شبه غائب في السنوات السابقة بسبب توفر الأدوية، لكنه عاد ليصبح ضرورة قصوى مع اندلاع الحرب ومنع دخول أي أدوية إلى غزة.
ومع النزوح القسري الذي طال نحو 70% من سكان القطاع، وتكدسهم في خيام تفتقر لأدنى مقومات الحياة الصحية، انتشرت الأمراض الجلدية بشكل غير مسبوق، إلى جانب الحروق، والبتر، والتهابات الجروح، في بيئة ملوثة تفتقر للمياه النظيفة ومواد التعقيم. في ظل هذا الواقع، توجهت العديد من النقاط الطبية إلى الدكتور خالد طلباً للمساعدة.
أكبر التحديات، بحسب عودة، تمثلت في انعدام المواد الخام اللازمة للصناعة الدوائية، ما اضطره إلى اللجوء لإعادة التدوير واستخدام بدائل غير تقليدية. فقد استُبدلت الزيوت الصناعية المستخدمة في تحضير المراهم بزيوت طبيعية مثل زيت الزيتون والسيرج، كما جرى استخلاص مواد فعالة من النباتات، وإعادة استخدام أدوية شارفت على انتهاء صلاحيتها، بعد فحصها، وتحويلها إلى مراهم ومضادات حيوية موضعية أثبتت فاعلية كبيرة.
ولم تتوقف جهود د. خالد عند ذلك، بل شملت تحويل أدوية الكبار إلى شرابات للأطفال، خصوصاً في ظل نفاد أدوية الأطفال بالكامل، إضافة إلى مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يستطيعون تناول الأقراص، عبر تحويل العلاج إلى شراب أو تحاميل، وفق أسس علمية وصيدلانية دقيقة، وضمن البروتوكولات المعتمدة.
ويشير الدكتور عودة إلى أن العمل كان يتم وسط ظروف بالغة الخطورة، تحت القصف المستمر، مع انعدام الكهرباء والغاز، حيث كانت المواد تُطهى على الحطب والخشب، أحياناً من أثاث المنزل نفسه، في مشهد يلخص حجم المأساة التي عاشها القطاع بأكمله.
وشارك في هذه الجهود طالبان هما نجليه، أحدهما يدرس التمريض في سنته الثالثة، والآخر طالب طب في سنته الأولى، وصفهما عودة بـ”اليد اليمنى” في المعمل، الذي لم تتجاوز مساحته في الأصل مساحة صغيرة داخل صيدلية، قبل أن يتحول منزل كامل إلى ورشة إنقاذ دوائي لخدمة المجتمع.
وأكد عودة أن ما قُدِّم لا يلبّي احتياجات قطاع غزة الهائلة، لكنه محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشدداً على أن أي جهد مهما كان بسيطاً في غزة يترك أثراً، خاصة في ظل الانهيار الصحي والنفسي الذي يعيشه السكان.
وختم الدكتور الصيدلي خالد عودة بالقول إن ما جرى هو “ستر من الله”، معتبراً أن دماء الشهداء ودمار البيوت لن يذهبا هدراً، معبّراً عن أمله بأن تزدهر غزة من جديد، وأن يُكتب هذا الجهد في ميزان الحسنات لكل من ساهم في تخفيف معاناة الناس خلال الحرب وما بعدها.
إقرأ المزيد


